الرئيسة \  دراسات  \  دراسة العراق ما بعد داعش – الجزء الثاني .. مقترحات نهضة العراق  الأسباب والاليات

دراسة العراق ما بعد داعش – الجزء الثاني .. مقترحات نهضة العراق  الأسباب والاليات

02.10.2017
د. مهند العزاوي




 يتناول الجزء الثاني من دراسة العراق مابعد داعش استكمال عرض المدخلات الاساسية التي اسهمت في تراجع الواقع السياسي العراقي ومن الجوانب الخاصة بالسلوك والمؤهلات السياسية واليات العمل بالدستور التي لم ترتقي للتطبيق الحيادي والمهني بغية تحقيق عقد الشراكة الاجتماعية في العراق والحفاظ على وحدة وسلامة العراق
 
السلوك السياسي والمؤهلات
يحتاج العمل السياسي في نظام سياسي  حديث تعددي الى اشخاص يمارسون السياسية بشكل محترف فضلا عن امتلاكهم المهارات والثقافة والمؤهلات للبناء الديموقراطي  واتقان مفردات السياسة العصرية خصوصا مع بيئة لاتقدر حدود الديموقراطية , لاسيما ان الشعب العراقي قد قطع الى كنتونات سياسية طائفية وعرقية لتشكيل ابعاد الواقع السياسي العراقي مما يجعل تطبيق الديموقراطية وتطوير البنى التحتية المجتمعية وتنمية راس المال الاجتماعي امر في غاية الصعوبة , وكما شخصنا في الدراسة  لم يكن هناك خطط او مناهج او مشاريع سياسية معدة سلفا للعراق مابعد 2003  لدى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيون وكذلك المحيط العربي مما احدث فراغ سياسي واضح انعكس على الواقع السياسي العراقي  لاسيما نوعية السياسيين المشاركين في المشهد السياسي الذين رسخوا استقطاب طائفي سياسي حاد  ليفرز اضلاع التقطيع الناعم الكرد والشيعة والسنة ... الخ  ، وتم من خلال الدراسة ملاحظة عدد من المؤشرات الخاصة بالفاعلين السياسين ضمن المشهد السياسي العراقي طيلة اربعة عشر عام  من عمر العملية السياسية في العراق :-
ا. مؤهلات الطبقة السياسية
* لم يكن هناك طبقة سياسية داخلية قبل عام 2003 مما جعل من العمل السياسي مقرون بالاشخاص العاملين في حقل مايسمى (المعارضة السياسية ) بغالبية اسلامية  مع التنوع القليل الليبرالي الذي لم يتمكن من الصمود امام تغول الاسلام السياسي في المشهد العراقي ومن الملفت للنظر ان هذه التشكيلات والاشخاص لم يكونوا فاعلين في الداخل العراقي قبل الغزو 2003 نظرا للمزاج المجتمعي العراقي الليبرالي العصري
* اشغال غالبية المناصب السياسية المهمة من قبل رجال الدين والمعممين وقادة مليشيات
*  عدم مقدرة الاسلاميين المنتمين للاحزاب الاسلامية من فهم محارك  السياسة الداخلية ومخرجاتها نظرا لحملهم عقائد دينية مذهبية متطرفة  تنتهج الترويع والعنف فضلا عن  الارتباط العقائدي بمفاهيم الامة  وليس الوطن  التي لايمكن تطبيقها على المجتمع العراقي المدني  المتحضر الذي يؤمن بالعراق الموحد ويلغي بذلك السيادة الوطنية ومفهوم الدولة .
*  منح المناصب للسياسيين الاسلامين الذين لايحملون مؤهلات علمية وخبرة عملية في ادارة المؤسسات السياسية التشريعية والتنفيذية في الدولة العراقية كاستحقاق حزبي , ولم يشهد تاريخ العراق الحديث وصول هذا العدد من الاسلام السياسي للسلطة بالعراق 
ب. السلوك السياسي 
* توزيع المناصب وفق قسمة الغرماء المحاصصة السياسية بين الاحزاب مما يجعل هناك حاجز احتكار يمنع وصول الدماء الشابة والتكنوقراط والاكفاء للعمل في الحقل السياسي والمؤسسي , لاسيما انهم لم يحققوا اي نجاح يذكر في ادارة الدولة وعلى العكس ملفاتهم متخمة بالفساد والانتهاكات والفشل المروع .
* استخدام قانون الاجتثاث بشكل حزبي وطائفي بما لا يتسق بالقيم النسانية ويستثنى الاشخاص الموالين للاحزاب الحاكمة , مما افقد العراق قدراته العلمية والمهنية والخبرات وغالبية قدرات الطبقة الوسطى المحترفة 
* غياب الاحزاب الليبرالية والشخصيات السياسية المدنية المستقلة في ظل سياسة الاقصاء والاحتكار 
*  لا يوجد سجل انجاز لاي سياسي شارك او غادر العملية السياسية سوى الفساد والثراء من المنصب والانتهاكات للقوانين والتشريعات .
* غالبية الساسة والوزراء متهمين بملفات فساد بمليارات الدولارات من اموال الشعب العراقي التي يفترض انها محمية قانونيا من اللاويات المتحدة وفق اتفاقيات
  تطبيق الدستور 
جرى اعداد الدستور من قبل الاحزاب الوافدة وفقا للمناهج السياسية المختلفة  دون عرض مخرجاته على الشعب العراقي كمسودة  حيث يجري الاستفتاء عليه كدستور مؤقت قابل للتعديل بل جرى الاستفتاء عليه كدستور دائم بما لايتسق مع تجارب الشعوب والاليات السياسية, كان من المفترض ان يخرج بصيغة دستور وقتي حتى يتم التعديل على النقاط الخلافية التي تبرز اثناء التطبيق والتنفيذ  ولوحظ عدد من الخروقات الدستورية وهي :
* عدم تطبيق مواد الدستور المتعلقة بتعزيز الوحدة الوطنية وتعزيز دور الدولة  وحظر تشكيل المليشيات الطائفية وعلى العكس جرى تشريع قوانين بما يخالف الدستور.
*  عدم تشريع قانون الاحزاب وهو الدعامة الاساسية للعمل السياسي لمدة عقد واكثر وعند صدوره لم يطبق فعليا .
* تم تعطيل العمل بالدستور من خلال تجاهل تطبيق مخرجاته المتكاملة بل جرى انتقاء المواد التي تلائم منهجية الساسة ودورهم التنفيذي .
* لم ينص الدستور على ضرورة ان يكون الرئيس العراقي كردي ورئيس الوزراء شيعي ورئيس البرلمان سني بل انها محاصصة توائم رغبات الفاعلين الدوليين والاقليمين , ولم تكن هناك معايير التنصيب على اساس الانجاز والنجاح والمشروع السياسي الوطني القابل للتطبيق مع بيان الانجازات المرتبطه به .  
* يتناول الدستور العراقي مصطلح (مناطق متنازع عليها ) في  دستور وطني ضمن الوطن الواحد كون الدستور ضامن لحقوق مكونات الشعب العراقي كافة تحت رقعة الجغرافيا السياسية الحالية بابعادها التاريخية منذ تشكيل الدولة عام 1921  مما رسخ حالة الاحتراب الحزبي على حساب وحدة العراق وسلامة اراضيه وثرواته الاستراتيجية , وبرز جليا من خلال ممارسة الاستفتاء  الكردي بالانفصال عن العراق 
*  القوات المسلحة عنوان قوة الدولة  وتماسك مجتمعاتها والمادة تسعة من الدستور تنص على ان القوات المسلحة تراعى نسب المكونات ولايوجد هكذا بند في كل دساتير العالم, لان القوات المسلحة انعكاس للشعب وخادمة له دون طوئفة او تعريق ديموغرافي.
* الدستور رغم الاستعجال في طرحه كدستور دائم الا انه  يحتوي على بنود وفقراته  اليات جيدة في مجال حقوق الانسان والحريات ووحدة العراق والسيادة والمنظمات المستقلة  وفصل السلطات الا انها لم تطبق.
* في الدستور هناك جهة تشريعية ثانية توازي البرلمان وهو (مجلس الاتحاد) الممثل للمحافظات لم يتم انشائه او تفعيله ليطبق الدستور بشكل موضوعي دقيق
*  غياب المحكمة الدستورية التي تحافظ على تطبيق الدستور 
* شرع عدد من القوانين باثر رجعي وذو طابع انتقامي وطائفي بما لايتسق مع تاريخ العراق وسياقات التجريم الجنائية بل غالبيتها ذات طابع سياسي 
* غياب منظومة التشريعات والقوانين الرادعة للفساد وتطبيقها الفعلي وفق اليات الحوكمة والمسالة التي تعتمد الاطر القانونية السليمة والتي تحفظ المال العام من السرقة والفساد.
خلاصة ان العراق بحاجة الى ثقافة التكامل السياسي الوطني وضرورة ان يكون هناك ضوابط حاكمة ومؤهلات ومهارات للعمل السياسي لخدمة العراق وشعبه وليست منحة وامتياز سياسي لاسيما ان تطبيق القانون والالتزام باليات الحكم الرشيد تتطلب طبقة سياسية مؤهلة وذات خبرة وتؤمن بوحدة العراق والعمل على التنمية المستدامة وردع الفاسدين وتوحيد المجتمع في عراق واحد متجانس
الجزء الثاني من دراسة اكاديمية  عن العراق ما بعد داعش من 66 صفحة اعداد الدكتور مهند العزاوي  وسيتم نشرها على شكل أجزاء متسلسلة
*رئيس مركز صقر للدراسات والبحوث الاستراتيجية